مبادئ دولية لتطبيق حقوق الإنسان فيما يتعلق بمراقبة الاتّصالات

You can find the July 10, 2013 version here

النّسخة النهائية، مايو 2014

بتقدّم التّقنيات التي تُعين الحكومات على مراقبة الاتّصالات تزداد فداحة فشل الحكومات في ضمان كَوْنِ القوانين و التّنظيمات و النّشاطات و القوى و السُّلطات المتعلّقة بمراقبة الاتّصالات ملتزمة بالقوانين و المعايير الدّولية لحقوق الإنسان. هذه الوثيقة تسعى إلى بيان كيفية انطباق قوانين حقوق الإنسان الدّولية على البيئة الرّقمية المعاصرة، خاصّة بالزيادة في تقنيات و أساليب مراقبة الاتّصالات و التطوّر الحادث فيها. هذه المبادئ يمكن أن تكون إطارًا لمجموعات المجتمع المدنيّ و لصناعة الاتّصالات و للحكومات و غيرها لتقييم اتفاق تشريعات المراقبة الحالية أو المقترحة مع حقوق الإنسان.

هذه المبادئ حصيلة تشاور دولي مع مجموعات من المجتمع المدنيّ و الصنّاعة و خبراء دوليّين في قوانين مراقبة الاتّصالات و سياساتها و تقنياتها.

Back to top

دِيباجة

الخصوصيّة حقّ إنسانيّ أصيل، و رُكن أساسيّ لقيام المجتمعات الدّيمقراطيّة، و هي جوهريّة لحفظ الكرامة الإنسانيّة، كما تُعضّد حقوقا أخرى مثل حرية التعبير و الحصول على المعلومات و حرّيّة التّنظيم، و يُقرّها قانون حقوق الإنسان الدوليّّ 1. مراقبة الاتّصالات تنتقص من الحقّ في الخصوصيّة و من حقوق إنسانيّة أخرى، لذا لا يمكن تبريرها إلّا إذا كانت منصوصًا عليها في القانون، و ضروريّّة لتحقيق غرض مشروع، و متناسبة مع الغرض المنشود2.

قبل الإقبال الجماهيريّ على استخدام الإنترنت كانت توجد مبادئ قانونيّة راسخة و عوائق لوجستيّة تخصّ مراقبة الاتّصالات حَدَّتْ من قدرة الحكومات على إجرائها. في العقود الأخيرة تَقلّصت تلك العوائق اللوجستيّة كما أصبح تطبيق المبادئ القانونيّة في سياقات التّقنيات الحديثة مُلتبسًا. التّضخم في مُحتَوى الاتّصالات الرّقميّة و في المعلومات عن الاتّصالات - ما تُعرف بالبيانات الفوقيّة للاتّصالات - و كذلك تَدنّي كُلفة تخزين كمّيات كبيرة من البيانات و التّنقيب فيها، و اعتماد الأفراد على مُقدِّمين لخدمات حفظ المُحتَوى و نشره، كُلّها جعلت مراقبة الحكومات للاتّصالات ممكنة على نطاق غير مسبوق 3. في ذات الوقت فإن التّفسيرات و الفهم الشّائعين لقوانين حقوق الإنسان لم تُجارِ التّطوّرات الحادثة في تقنيات و أساليب الحكومة في مراقبة الاتّصالات، و لا قدرة الحكومة على تجميع و تنظيم معلومات مُستقاة من ممارساتِ مراقبةٍ متنوعةِ التّقنيات و الأساليب، و لا زيادة حساسية المعلومات الممكن النّفاذ إليها.

إن التواتر الّذي أصبحت به الحكومات تسعى إلى النّفاذ إلى مُحتَوى الاتّصالات و بياناتها الفوقيّة يزداد باطّّراد كبير بلا تمحيص كافٍ4. بالنّفاذ إلى البيانات الفوقية للاتّصالات و تحليلها يمكن توليف سيرة لحياة الفرد، تتضمن الحالة الصّحيّة، و الآراء الدّينيّة و السّياسيّة، و العلاقات التّنظيميّة، و الاهتمامات و النّشاطات، كاشفة عن تفاصيل قد تزيد عمّا يمكن استنتاجه من مُحتَوى الاتّصالات ذاته5. برغم كِبَر العُمق الممكن للتّدخُّل في حياة الفرد و أثر ذلك السّلبي على انتماءاته السّياسيّة و غيرها، فإن القوانين و إجراءات الرّقابة و القوى و السُّلطات لا تُقُدِّر البيانات الفوقيّة حقّ قدرها في الحماية و لا تضع قيودًا كافية على كيفيّة استخدامها لاحقا من قِبَل الحكومة، بما في ذلك كيفيّة التّنقيب فيها و تبادلها و حفظها.

Back to top

نِطاقُ الانطباقِ

هذه المبادئ و ديباجتها وحدة متكاملة؛ كلّ مبدأ فيها تنبغي قراءته و تفسيره كجزء واحد في إطار أكبر يحقّق عند تناوله في مجمله هدفا واحدًا هو ضمان أن القوانين و السّياسات و الممارسات المتعلّقة بمراقبة الاتّصالات تلتزم بقوانين و معايير حقوق الإنسان الدّولية و تحمي الحقوق الإنسانيّة للأفراد كما ينبغي، مثل الخصوصيّة و حرّيّة التّعبير. لذا فلكي تفي الحكومات حقًّا بالتزاماتها الدّوليّة بحقوق الإنسان فيما يتعلّق بمراقبة الاتّصالات فإنها يجب أن تلتزم بكلٍّ من المبادئ المبيّنة فيما يلي.

هذه المبادئ تنطبق على مراقبة الدّولة الاتّصالات على أراضيها و خارج أراضيها، و هي كذلك تنطبق أيّا كان الغرض من المراقبة؛ سواء كان إنفاذ القانون أو حماية الأمن القوميّ أو جمع المعلومات الاستخباراتيّة أو أيَّ وظيفة حكوميّة أخرى. كما أنّ هذه المبادئ تنطبق على التزام الحكومة باحترام و رعاية حقوق الأفراد الإنسانيّة، و التزامها بحماية الحقوق الإنسانيّة للأفراد من انتهاكها من قبِل الأطراف غير الحكوميّين، بمن فيهم مؤسّسات الأعمال6، ، إذ تقع على مؤسّسات الأعمال مسؤوليّة احترام الخصوصيّة الفرديّة و حقوق إنسانيّة أخرى، بخاصّة بالأخذ في الاعتبار الدّور الأساسيّ الذي تقوم به في تصميم و إنتاج و تشغيل الوسائل التقنيّة؛ و تقديم خدمات الاتّصال، و كذلك تسهيل ممارساتِ مراقبةٍ حكوميّةٍ. مع هذا فإنّ هذه المبادئ تبيّن واجبات و التزامات الحكومة عند اضطلاعها بمراقبة الاتّصالات.

Back to top

التّطوُّرُ في التّقنياتِ و التّعريفاتِ

”مراقبة الاتّصالات“ في البيئة المعاصرة تشمل المراقبة و التَّنَصُّتَ و الجمع و الحصول على، و التّحليل و الاستخدام و الحفظ و التّدخل في، و النّفاذ إلى، و ما شابهه من أفعال، فيما يخصّ معلومات تتضمّن أو تعكس أو تنشأ من، أو هي عن، اتّصال أجراه شخص في الماضي أو يجريه في الحاضر أو المستقبل.

”الاتّصالات“ تشمل النّشاطات و التّفاعلات و المعامَلات المنقولة عبر وسائط إلكترونيّة، مثل مُحتَوى الاتّصال و هويّة أطراف الاتّصال و بيانات الاقتفاء المكانيّ مثل عناوين بروتوكل الإنترنت، و تاريخ و مدّة الاتّصال و مُعرّفات معدّات الاتّصال المستخدمة.

”المعلومات المحميّة“ معلومات تتضمّن أو تعكس أو تنشأ من، أو هي عن، اتّصالِ شخص مما هو ليس متاحا الوصول إليه أو الحصول عليه علنا للعامّة.

تقليديّا كانت درجة الانتهاك التي تُحدِثها مراقبة الاتّصالات تُقيَّم على أساس تصنيفات مُصطَنعة عُرفيّة. إذ تُميِّز الأُطُر القانونيّة الحاليّة ما بين ”المُحتَوى“ و ”غير المُحتَوى“ و ما بين ”بيانات المشترِك“ و ”البيانات الفوقيّة“، و كذلك ما بين البيانات ”المُخزَّنة“ و ”المُنتقِلة“، و ما بين البيانات في البيت أو في حوزة طرفٍ مقدِّمٍ للخدمة7. إلا أن ذلك التمييز لم يعد ملائما لقياس درجة الانتهاك التي تُحدِثها مراقبة الاتّصالات في حياة الأفراد الخاصّة و علاقاتهم. فبينما اتُّفق فيما مضى على أن محتوى الاتّصالات يستحقّ حماية ملموسة في القانون بالنّظر إلى إمكان كشفه عن بيانات حسّاسة فإن الواضح الآن أنّ معلومات أخرى تنشأ من الاتّصالات - هي البيانات الفوقيّة و أنواع أخرى من غير المُحتَوى - قد تكون كاشفة عن حياة الفرد بأكثر ممّا يكشفه مُحتَوى الاتّصال ذاته، لذا فهي تستحقّ حماية مساوية. بتحليل كلِّ نوع من تلك البيانات، بمفردها أو باقترانها مع غيرها، صار اليوم في الإمكان الكشف عن هويّة الفرد و سلوكه و علاقاته و حالته الجسمانيّة و الصحيّة و عِرقِه و لونه و ميوله الجنسيّة و أصله القوميّ و آرائه؛ كما تُمكِّن من التّعرّف على مواضع تواجد الأفراد و تحرّكاتهم و تفاعلاتهم عبر الزّمن8، أو لجموع الأشخاص في منطقة معيَّنة بما في ذلك في المظاهرات العامّة أو الفاعليّات السّياسيّة الأخرى. نتيجة لذلك فإنَّ المعلومات المحميّة ينبغي سَبْغُ الحماية القانونيّة القصوى عليها.

عند تقييم درجة الانتهاك التي تُحدِثها مراقبة الاتّصالات من الضروريّ الأخذ في الاعتبار قدرة المراقبة على كشف معلومات محميّة، و كذلك الغرض الذي من أجله تسعى الحكومة إلى المعلومات. كلُّ مراقبة للاتّصالات تنتقص من حقوق الإنسان، لذا فإن قانون حقوق الإنسان الدوليّ ينطبق عليها. مراقبة الاتّصالات التي من المرجّح أن تؤدي إلى كشف معلومات محميّة قد تُعرّض فردًا لخطر التّحري عنه أو التّمييز ضدّه أو إلى انتهاك حقوق الإنسان، تُشكّل انتهاكًا خطيرًا لحقّ الفرد في الخصوصيّة كما تُفرغ حقوقًا أخرى من مضمونها، بما فيها الحقّ في حريّة التعبير و التّنظيم و المشاركة السّياسية. هذا لأنَّ هذه الحقوق تستوجب قدرة النّاس على الاتّصال بغير مراقبة الحكومة. لذا فإنَّ تحديد طبيعة البيانات المطلوب الكشف عنها و الاستعمالات الممكنة لتلك المعلومات واجب في كلّ حالة على حدة.

قبل اعتماد أسلوب مراقبة جديد للاتّصالات أو التّوسّع في أسلوب قائم ينبغي على الحكومة أن تتيقّن ممّا إذا كانت المعلومات التي سيجري جمعها تقع في نطاق المعلومات المحميّة، و ذلك قبل السّعي إلى النّفاذ إليها، و على الحكومة أن تقبل التّمحيص القضائيّ و آليّات الرّقابة الدّيمقراطيّة الأخرى. و لتحديد ما إذا كانت المعلومات المجموعة بأحد أساليب مراقبة الاتّصالات تقع في نطاق المعلومات المحميّة فإن وسيلة المراقبة و نطاقها و مُدّتها كُلّها عوامل ذات دلالة، لأن المراقبة الشّاملة أو المنهجيّة أو الأساليب المُنتَهِكة من شأنها أن تكشف عن معلومات خاصّة تزيد كثيرا عن الأجزاء المكوّنة لها، و يمكنها أن توصل مراقبة المعلومات غير المحميّة إلى درجة من الانتهاك تدعو إلى حمايتها حماية كاملة كما المعلومات المحميّة9.

إن تحديد ما إذا كان للحكومة أن تُجريَ مراقبة للاتّصالات تطال بيانات محميّة يجب أن يتوافق مع المبادئ التّالية:

Back to top

المَبادِئُ

* صيرورة صياغة هذه المبادئ بدأت في أكتوبر 2012 في اجتماع حضره أكثر من 40 خبيرا في الخصوصيّة و الأمان في بروكسل. و بعد مداولات عامّة مبدئيّة تضمّنت اجتماعا لاحقا في ريودِيجانيرو في ديسمبر 2012 قادت منظمات Access و EFF و Privacy International جهدا تشاركيّا انبنى على خبرات في مجال حقوق الإنسان و الحقوق الرقميّة لخبراء من أنحاء العالم. الإصدارة الأولى من وثيقة المبادئ أُنجِزت يوم 10 يوليو 2013 و أعلِن رسميّا عنها في فعالية في اجتماع مجلس الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان في جنيف في سبتمبر 2013. أصداء النّجاح و التّبنّي العالميّ للمبادئ من قِبَل أكثر من 400 منظّمة في أنحاء العالم أوجبا إحداث تحريرات نصيّة طفيفة في لغتها لضمان اتّساق تفسيرها و انطباقها عبر القضاءات. لذا، فبين مارس و مايو 2014 أُجريت مداولات ثانية للتعرّف على أوجه القصور في الصّياغة و تداركها بتحديث المبادئ وفقها. إن أثر المبادئ و الغرض منها لم يتغيّرا بموجب هذه التّعديلات. هذه الإصدارة هي الناتج النهائيّ لهذه الصّيروة و هي النّسخة المرجعيّة لوثيقة المبادئ.

Recommended citation: Necessary and Proportionate Coalition, Necessary & Proportionate, (May 2014), http://necessaryandproportionate.org/principles